حجم الخط

حوار الوقت الضائع

4/11/2011 0:41 am

كتب:

كشف تهافت معظم فاعليات النخبة المصرية على الحوار الوطني وتدافعهم إلى إعلان الغضب لعدم دعوتهم إليه عن انتماء هذه الفاعليات إلى أفكار وآليات ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير العظيم، لقد انتهت جموع الثوار إلى تقديم مطلب التحول الديمقراطي على جميع المطالب والأهداف وبذلك فقد أصبح على جميع من يعمل على أرضية هذه الثورة أن يضبط إيقاعه على هذا الهدف دون سواه. وهذا الهدف لن يتحقق إلا بانصراف الجميع إلى الجماهير في طول البلاد وعرضها لتكوين الأحزاب والنقابات والمؤسسات التي تقود التحول المنشود، وخصوصا بعد اطلاق حرية تكوين الأحزاب ونقابات العمال.

إن النظم الليبرالية لا تعرف الدعوة إلى مثل هذه الحوارات الوطنية الجامعة، فهذه النظم لا تعرف أساليب الحشد والتعبئة حول أهداف وطنية عامة تتوصل إليها من خلال الحوارات النخبوية التي تجري في الغرف المغلقة. الحوارات في النظم الليبرالية تجري في الشارع ووسط الجماهير، ويجريها كل حزب أو تيار بمعرفته وعلي أساس أفكاره وبرنامجه ولحشد أنصاره حوله، واقناع غيرهم بالانضمام إليه دون سواه من التيارات السياسية الأخري، أما التوافق والتواؤم حول بعض الأهداف العامة فيتحقق في هذه النظم من خلال الصراع والتنافس الذي تظهر من خلاله الاتجاهات التي تتبناها غالبية الرأي العام.

حكاية الحوارات الوطنية لا تعرفها إلا النظم الثورية في مراحل معينة من مراحل ثورتها، وهي نظم تكتسب شرعيتها من تأييد جماهيري ظاهر للعيان بوسائل متعددة ليس منها التنافس الحر عبر الأحزاب المتعددة، ومن خلال صناديق الانتخاب، كذلك فإن النظم الايديولوجية المغلقة تلجأ لهذه الأساليب من الحوار من خلال أحزابها المنفردة بالحكم والقرار، وفي جميع الأحوال فإن هذه النظم، ثورية أو ايدولوجية، هي التي تقوم بوضع أجندة الحوار، ومن الممكن أن تلجأ النظم المستبدة من عينة النظام المصري المخلوع لدعوات شكلية فارغة لمثل هذه الحوارات لمحاولة ستر عوراتها، والتمكين لأذنابها المنتشرين في القوي والأحزاب الأخري من الظهور الزائف بمظهر الفاعلين السياسيين الحقيقيين، فإذا كنا قد حسمنا أمرنا على الأساليب الليبرالية فإن الحوار من النوع المطروح يصبح لا محل له من الإعراب.

لكن النخبة المصرية في عمومها راحت تبكي على حرمانها من لعبة «الحوار الوطني» في حالة طفولية ظاهرة لا تدرك أن الثورة التي فتحت الشارع السياسي لجميع أشكال الفكر والحوار، وازاحت في الوقت نفسه أساليب الحوارات التي يتداولها المثقفون في الغرف المغلقة، والتي لم يحدث أن انتهت لأي اتفاق نافذ ومن لا يصدقنا فعليه أن يدلنا على مثل هذا الاتفاق طوال الثلاثين عاما العجاف السابقة بدءا من المؤتمر الاقتصادي ومؤتمر العدالة في أواسط ثمانينيات القرن الماضي وحتي سقوط النظام المخلوع، وليس فقط ما قد يسمي بـ «الحوار القومي» وإنما أيضا محاولات تكوين الجبهات المعارضة أو التنسيق بين الأحزاب والقوي والتيارات.

علي أن أعجب ما في سلوك قوي سياسية مصرية مختلفة هو اتفاقها في وقت واحد على بكائية الغياب عن حوار بلا معني ولا هدف، وعلي أنشودة الهجوم على تعديلات قانون الأحزاب التي أصدرها المجلس الأعلي مؤخرا، ربما لأن هذه التعديلات قد حرمتها من متعة الحوارات الشللية في الغرف المغلقة التي تعودتها قبل الثورة، وألزمت الجادين منها حقا ببذل الجهود المضنية في وسط الجماهير لتكوين أحزاب حقيقية في قلب الشارع الذي فتحته الثورة على مصراعيه لكل من يريد إثبات وجوده السياسي الحقيقي وليس المزعوم.

لا نظن أن المجلس الأعلي لقواتنا المسلحة سوف يبعث هذا الحوار من القبر الذي دفنته فيه جمعة «حماية الثورة».

* ضياء داود

برحيل ضياء الدين داود تكاد تنطوي مسيرة عطاء عناصر جيل كامل من الحركة الوطنية المصرية، هذه العناصر التي أدركت أن ثورة يوليو كانت الاستكمال الطبيعي الصحيح لمسيرة ثورة 1919 فسارعت لتأييدها، وبرز دورها وعطاؤها الوطني في مسيرة هذه الثورة إلى جوار قائدها جمال عبدالناصر، عناصر ظلت رمزا لطهارة اليد ونظافة اللسان والقدرة غير المحدودة على العطاء للوطن بغير انتظار لمكسب ولا منفعة، أعتقد جازماً أن عناصر جيل ثورة يوليو التي سوف تتفاعل بحق مع ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي هي استمرار حقيقي لثورة يوليو سوف تعطي لنفسها فرصة حقيقية في تكرار تجربة عناصر جيل ثورة 1919 التي تفاعلت مع ثورة يوليو وسوف يخرج من بينها عشرات من أمثال ضياء داود يعوضون الحركة الوطنية المصرية عن فقيدها الكبير.. رحمه الله وجازاه خيراً عن وطنه وأمته.

ahafz99@gamil

كاريكاتير

بحث