حجم الخط

من برنامج الرئيس «زنزانة» وحدة وطنية في ميدان التحرير

1/9/2011 6:59 pm

كتب:

قبل عام واحد بالتمام والكمال كتب العبد لله السطور التالية:
منذ سنوات بعيدة لاحظت أن الصمت هو غالبا إجابتي المفضلة عن سؤال: إلى أين مصر ذاهبة إذا ما بقي واستمر نظام الحكم الحالي الذي طال عمره (هو الأطول منذ حكم محمد علي) أكثر كثيراً مما ينبغي أو نحتمل، واستفحل فساده وتفاقمت كوارثه وارتكاباته  حتىشاعت مظاهر البؤس واليأس وعم الخراب أرجاء الوطن.. في الاقتصاد والاجتماع، كما في عقول البشر وأرواحهم وأخلاقهم وضمائرهم؟!.

وأعترف بأن تفضيلي الهروب إلى الصمت والخرس سببه ومرجعه الوحيد كان الخجل والكسوف من أن أبدو قاسياً وقليل اللياقة لو أفصحت ونطقت بالعبارة الوحيدة التي تقف متأهبة على طرف لساني كلما سمعت أو قرأت سؤال «البلد رايح فين؟!» لقد كنت أستثقل القول: إن البلد رايح في ستين داهية، لكنني الآن أنطقها وأكتبها واضحة صريحة بعدما فاض الكيل وطفح واتسع «الخرق على الراتق»  حتىلم يعد هناك مجال ولا معني لخداع النفس والتذرع بالكسوف والخجل للإفلات من واجب الإفصاح والبوح بالحقيقة المُرة وهي أن المجرمين وأذنابهم وأبواقهم المتوحشة الجاهلة التي تركب عقول خلق الله ليلاً ونهاراً نجحوا في صياغة وجه بلدنا ومجتمعنا بملامح فاضحة مخزية ومخجلة ومثيرة للعار.. وانظر حولك من فضلك.

انظر حولك وتأمل كيف أن أغلبنا جاع وضاع وتعري وأهين وانسحق وتشوه روحا ًوعقلاً  حتىفقد الحدود الدنيا من وسائل الدفاع الطبيعي عن تحضره الموروث، وتآكلت شمائل كانت لصيقة بوجوده الإنساني كالكرامة، والكبرياء، ورهافة الحس الخلقي والضميري تلك التي ظلت تعصم أبسط الناس وأشدهم فقراً في بلادنا من الغوص والغرق في ضيق الأفق وانعدام التسامح، ومتعتهم على مدي الدهر بميزة النفور شبه الفطري من القسوة والعنف المجانين.

أكتب هذه السطور بمناسبة فجيعة المجزرة الشنيعة التي وقعت ليلة عيد الميلاد المجيد وكان حصيلتها سبعة شهداء (من بينهم جندي شرطة) إضافة إلى تسعة جرحي سقطوا جميعاً عندما فتح مجرمون جبناء النار على حشد من المواطنين العزل الأبرياء كانوا قد فرغوا للتو من أداء صلاة العيد في إحدي كنائس مدينة نجع حمادي!!

بالله عليك ماذا أكتب وبماذا أعلق؟! يبدو أنه لم يعد عندي ولا عندك سوي المزيد من الإمعان في الخجل والمزيد من الاعتذار.. نعتذر لأنفسنا وأهلنا وأحبتنا الذين يصابون ويسقطون شهداء عجزنا وجبننا وصمتنا وصبرنا على العار.
هذا هو الكلام القديم.. فهل تري أن شيئا تغير بعد مرور عام؟!

قصاقيص واحتمالات:
> العنف والعصبية اللذان واجه بهما النظام عشرات المظاهرات والوقفات السلمية التي نظمها وشارك فيها الأسبوع الماضي المئات من أنبل شخصيات الوطن وشبابه للتعبير عن حقيقة أن الدفاع عن وحدة النسيج المصري المهدد الآن بخطر التمزق كثمرة مسمومة من ثمار سياسات وممارسات عصابة السطو المسلح على السلطة والثروة الرازحة فوق قلوبنا منذ ثلاثة عقود على الأقل، هذا العنف وتلك العصبية لايبدو لهما تفسير منطقي سوي واحد من اثنين.. فإما أن الأخ النظام هو الذي دبر ونفذ جريمة تفجير أجساد أهلنا أمام كنيسة «القديسين» في الإسكندرية، أو أن سيادته لم يرتكبها بنفسه، لكنه اعتبرها مناسبة سعيدة لتفجير ما تبقي من البلد وتحويله بسرعة إلى خرابة قبل أن يلملم عزاله وملياراته ويذهب إلى الجحيم.

> إصرار الرئيس حسني مبارك على استقبال المجرم الصهيوني بنيامين نتنياهو رئيس حكومة العدو ( للمرة المعرفش كام) بينما البلاد غارقة في الحزن والفزع من مستقبل مظلم، هذا الإصرار ربما لا يصادف إلا احتمالا واحداً من احتمالين، الأول أن نظام سيادته درب نفسه وروضها على ألا ينسي أبدا  حتى في أسود الظروف وأسوئها ـ أن الرضا الأمريكي السامي يمر دائماً عبر البوابة الإسرائيلية.
والاحتمال الثاني أن جنابه مؤمن فعلاً بقيم التسامح ويتمتع باتساع أفق هائل إلى درجة تجعله لا يميز إطلاقاً بين عدو وحبيب ولا بين مسلم ومسيحي وصهيوني وقاتل و..خلافه.

> مساء يوم الخميس الماضي فرضت جيوش عرمرم من شتي أنواع البوليس والمباحث حصاراً صارماً وقاسياً على حشد من المواطنين المصريين تجمعوا في ميدان التحرير ووقفوا يبددون ظلام الوطن بضوء شموع حملوها تحية لأرواح شهداء كنيسة الإسكندرية، وعندما أنهي المحتشدون وقفتهم المتحضرة فوجئوا بأنهم ممنوعون من مغادرة المربع الضيق الذي حوصروا فيه وظل الجميع بمن فيهم شخصيات مرموقة بعضهم يعاني من وهن الجسد المخلوط بوجع الخوف على البلد ما يزيد على ساعة كاملة يحاولون من دون جدوي الحصول على إفراج لم يسمح به أشاوس المباحث إلا بعد أن جاءتهم الأوامر بأن يخرج المحبوسون ويتسربوا فرادي كأسري الحروب.

لقد أمضي الحشد النبيل زمن الحبس وهم يتساءلون مندهشين عن سبب هذا الإجراء القمعي العجيب، وتطوع ضابط شاب بإجابة فحواها أن «القيادة» ـ كما قال ـ تريد أن تؤدبكم وتتأكد أنكم لن ترتكبوا فعلة مماثلة مرة أخري!!
لكن ضابطاً آخر ألمح إلى أن «القيادة» تخشي أنكم لو خرجتم من الحبس فسوف تذهبون إلى الكنائس لتصنعوا من حولها دروعا بشرية تحمي المواطنين المسيحيين وهم يصلون لله في قداس عيد الميلاد!!
والحقيقة أن أياً من الإجابتين لم يقنعني وأفصحت لأصدقاء كانوا يشاركونني الحبسة نفسها بأنني أظن أن لهذه الأخيرة علاقة شريفة ببرنامج الرئيس الانتخابي، قالوا: كيف؟ قلت: يبدو أن البرنامج يتضمن وعداً ببناء زنزانة وحدة وطنية في ميدان التحرير!!

كاريكاتير

بحث