حجم الخط

حرائق الشيطان

3/14/2011 2:05 am

كتب: محمد فهمي

نحن الآن في زمن الشيطان.. حرائق طائفية اندلعت في أطفيح وامتدت للدويقة والزرايب والمقطم والسيدة عائشة ومنشية ناصر ووصلت لعدد من المحافظات.
وحرائق بلطجية التهمت المنازل والمصانع ودمرت السيارات وأدت إلى نهب الشقق وترويع المواطنين.
وقبلها شهدنا الحرائق الانتقائية التي قضت على الملفات والمستندات التي لم تمكن تعرف محتوياتها.. سوي العفاريت المحبوسة منذ أيام سيدنا سليمان.
حرائق الشيطان وصلت للدور العاشر.. بمبني التحرير والتهمت تقارير مباحث الأموال العامة.
ووصلت لمقار أمن الدولة بالمحافظات ولاتزال حرائق الشيطان تفاجئ الرأي العام في كل يوم بما هو جديد وفريد.
إنها الفوضي التي هددنا بها الرئيس المخلوع حسني مبارك عندما أعلن في خطابه الأخير أن تنحيه عن السلطة سوف يؤدي إلى الفوضي!!
وهذه الفوضي التي هي الترجمة الحرفية لتصريحات أحمد نظيف في أمريكا والتي قال فيها إننا لا نصلح للديمقراطية وغير مؤهلين لها وأننا في حاجة إلى وقت «لم يحدده» للتدريب عليها.
كلام كبير.. وحرائق الشيطان سواء بالنيران المشتعلة أو بالفتن الطائفية.. لدرجة تدفع البعض للاعتقاد بأن القذافي هو الحل.. وأنه لا عودة للانضباط إلا بالعودة للكتاب الأخضر.. واعتبار ما يجري في ليبيا من مذابح هو العلاج لما نحن فيه من فوضي عارمة.. تبدد الآمال التي أطلقتها ثورة 25 يناير 2011 المجيدة.
نحن إذن أمام حرائق شيطانية.. بعضها يسعي لتدمير الوثائق والملفات والمستندات.. للقضاء على ذاكرة الوطن ويصبح من العسير ملاحقة فلول النظام السابق ورجاله ومسروقاته.
وبعضها يسعي لهز ثقتنا في أنفسنا وتشويه أعظم انجاز حققه شعبنا العظيم في الإطاحة بنظام سياسي فاسد ووضع الأسس لبناء دولة عصرية تواكب الزمن.
وفي كل الأحوال فإنه يمكن وضع كل هذه الحرائق في خانة واحدة هي الثورة المضادة.
نحن أمام ثورة مضادة.. تستهدف إضعاف قوانا الاجتماعية وتحريك الضغائن والاحقاد كي تتعثر مصالح الوطن وتتبدد كي تعود الأوضاع لما كانت عليه قبل الثورة.
ما السبب ولماذا؟
وما العناصر التي تغذي هذه الثورة المضادة؟ السبب ببساطة شديدة أنه لم يسبق لدول العالم التي مرت بمراحل التحول الكبري من نظام سياسي فاسد لنظام سياسي واعد.. إن بقي الحزب الحاكم القديم برجاله ومقاره وسلطاته وتنظيماته وكأن شيئا لم يكن.
حالتنا في الإبقاء على الحزب الوطني الفاسد هي حالة فريدة لأن تجارب التحول تبدأ عادة بالقبض على رجال الحزب الحاكم وليس على رجال الحكومة.
بدأت بالقبض على العقول التي قادت البلاد للحزب الذي آلت إليه وقدمت رجال الحزب للمحاكمة العلنية أمام الرأي العام وعلي مرأي ومسمع من كل مواطن.. على أساس أن الحزب هو العقل المدبر والراعي الرسمي والمحتضن الأول للفساد.
ولذلك فإن الهدف الأول من المحاكمات العلنية لقيادات الحزب القديم لم يكن لمجرد توقيع العقوبات وإنما لتحقيق الهدف الأهم وهو الإعلان من خلال المحاكمات عن الثقافة السياسية الجديدة التي ستحل محل الثقافة السياسية البائدة.
هي دولة الأجراس.. لاطلاع الجماهير التي تتطلع للتغيير بأنها أمام ثقافة سياسية جديدة وفلسفة جديدة للحكم تتجاوز الفلسفة القديمة التي سادت طوال سنوات النظام القديم في الحكم.
محاكمة رجال الحزب القديم.. من القضايا الأساسية لاطلاع الشعب على أهداف التحول وبرامج الانتقال من ثقافة مرفوضة لثقافة سياسية جديدة.
وتكتشف من خلال المحاكمة ما هو الحلال وما هو الحرام في ظل النظام السياسي الجديد.
ومن اللافت للانتباه أن محاكمات القيادات الحزبية القديمة هي أقوي أدوات الإعلان عن التحول السياسي التي تفتح آفاق الأمل أمام خطوات الإصلاح.
حدث ذلك في جميع الدول التي شهدت التحولات الكبري ووقف رجال الأحزاب القديمة أمام محاكم الثورة يكشفون للرأي العام وللضمير العالمي الأسباب التي أدت إلى الثورة.
في ألمانيا الشرقية شاءت الأقدار أن أشهد هذه المحاكمات التي جرت في برلين لكبار رجال الحزب والمكتب السياسي وكنت شاهد عيان على اعتراف قادة حزب الوحدة الاشتراكي على الانحرافات التي ارتكبوها بالمخالفة للقوانين بل وللنظرية الماركسية ذاتها.
كانوا جميعا من كبار السن الذين يقال إنهم لعبوا أدوار البطولة أثناء الحرب العالمية الثانية.. وتوقفت بطولاتهم بعد ذلك بحكم السن ودعته الشيخوخة وآلام المفاصل والنسيان.
كانت المحاكمات محاكمات سياسية عندنا حدث العكس.
الذين وجهت لهم الاتهامات كانوا من خارج دائرة الحزب.. لدرجة أنه عندما ألقي القبض على المهندس أحمد عز.. لم يكن ذلك بسبب الأنشطة الحزبية وإنما كانت بسبب انحرافات وفساد.
أريد أن أقول إن الحزب الوطني الذي ظل يحكم البلاد لمدة تزيد على 30 سنة بقي كما هو وبقيت مقاره في أرجاء البلاد مرتعا لتدبير مخططات الثورة المضادة.. وإشعال الفتن الطائفية.. والمطالبات الفئوية وترويع المواطنين وإحراق مقار الدولة التي تضم المستندات والوثائق التي تدين قادة النظام السابق.
وتسمع من يقول إن رجال الحزب الوطني هم الذين دبروا ومولوا اقتحام الجمال والبغال والخيول لميدان التحرير بغرض فض وإرهاب شباب الثورة الذين لم يحملوا ما يدافعون به عن أنفسهم أمام هجمات إجرامية لم يتوقعها أحد.
الميلشيات كانت ميلشيات الحزب!
البلطجية بلطجية الحزب!
ومحاولات إحراق المستندات والوثائق تجري بتخطيط من الحزب!
ما معني هذا الكلام؟!
معناه ببساطة أن ما يجري من أعمال عنف نشهدها كل يوم ومن حرائق تندلع كل ساعة يعود لسبب واحد وهو وجود حزب قديم على الساحة بكل خبراته ورجاله ومقاره وحساباته إلى جانب تيار سياسي جديد يسعي لبناء دولة عصرية تقوم على أسس من الديمقراطية وحقوق الإنسان.
والعلاقة بينهما كالعلاقة بين الرقبة والسكين، النظام القديم يدافع عن نفسه بقيادة جمال مبارك وصفوت الشريف ومعهما الكوادر الحزبية القديمة التي تدربت على أساليب البلطجة ومواطن القوة والضعف في دولة يعرفون كل شبر على أرضها.
ونظام جديد.. تحركه مجموعات شبابية لم تكتسب بعد خبرات ممارسة السلطة ولا تملك أدوات التآمر وإشعال الحرائق وإثارة الترويع والهلع بين عامة الشعب.
يضاف إلى ذلك أن الحزب الوطني الذي ظل يحكم البلاد لأكثر من 30 سنة لا يدافع عن مبادئ سياسية يؤمن بها.. وإنما هو يدافع عن مصالح قادمة من رجال الأعمال الذين كونوا الثروات الهائلة وامتلكوا المنتجعات والقصور والطائرات الخاصة.. وبالتالي فهم يخوضون معارك حياة أو موت للدفاع عن ثروات استولوا عليها بغير حق.. ويدافعون عنها بإشعال النيران في المقار الحكومية تارة وبإشعال الفتن الطائفية تارة أخري.
نحن أمام حالة فريدة.. ليس لها مثيل في جميع الدول التي مرت بتجارب التحول، عندما ركزنا الاهتمام على المسروقات والأموال التي جري تهريبها للخارج، وألقينا القبض على رجال الأعمال، في الوقت الذي أبقينا فيه على الحزب القديم ومقاره وعلاقاته بالميلشيات التي استخدمها في الانتخابات وفي ترويع المنافسين.
تركنا الذئاب الضارية تهاجم الشياه الراعية ووقفنا نتفرج ونناشد الشرطة بالتدخل تارة والقوات المسلحة تارة أخري.
ولا الشرطة ستحل الأزمة ولا القوات المسلحة، ولا رجال الدين، وفي مقدمتهم الإمام الأكبر.
الحل.. هو حل الحزب الوطني وتقديم قادته للمحاكمة كي نعرف أن الرئيس مبارك لن يرشح نجله جمال في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
حاكموا رجال الحزب الوطني، تتوقف حرائق الشيطان وترتاحوا.. ونرتاح!.

كاريكاتير

بحث