مازال وقع انتصار الثورة في تونس في ثلاثة أيام، في عطلة نهاية أسبوع، بعد مسيرات شعبية لمدة ثلاثة أسابيع انطلاقا من محافظة بوزيد حتى عمت البلاد كلها وصبت في قلب العاصمة، مازال يثير الإعجاب والدهشة من سرعة انهيار النظم الديكتاتورية في الوطن العربي بالرغم مما تملك من أدوات القمع من شرطة وأمن مركزي وجيش كرصيد أخير. والآن بعد أن انتصرت الثورة بدأت قضايا ما بعد الثورة تفرض نفسها كما حدث من قبل
تتحرك الاحداث بسرعه فائقة، وتتجدد على نحو فريد الروح الوطنية المصرية الاصيلة، وطنية ثائرة تقودها الجماهير التي تجاوزت في حركتها كل احزاب وحركات المعارضة، وسبقت بامتياز الافق السياسي والاجتماعي لاغلب اطروحات وافكار المعارضة والنخبة السياسية عن اسقاط النظام والتحول الديمقراطي. وبغض النظر عن نتائج انتفاضة يناير الثانية فانها اصبحت وبكل المقاييس نقطة فارقة في تاريخ مصر،
مع كل الاعتذار للراحل الكبير المشير أبوغزالة الذي استلهمنا العنوان من كتابه «وانطلقت المدافع عند الظهر» فقبل غروب شمس الرابع عشر من يناير 2011 «جفت منابع» الديكتاتور في السلطة وتلفت فلم يجد في يديه إلا يديه واستدار فوجد جميع من حوله لا يرهبونه ولا يرغبونه ولا يطلبون منه إلا شيئاً واحداً.. الخروج.. فأذعن الديكتاتور واشتري حياته.. ومثل المشهد الأثير الذي يبدو أنه سيتكرر كثيراً «طائرة تحمل طاغية لا تجد لها أرضاً تحط عليها».
لا أعرف من الذي وصف ثورة تونس بأنها ثورة إلى اسمين، ولا السبب في تلك التسمية، ولكني متأكد أن للثورة عطراً، كان من حظي أني تنسمت شذاه أكثر من مرة في عمري، فقبل الثورة يكون يأس وخمول، وتتجمد الحياة في عباءة الطغيان الكثيفة والحالكة السواد، ثم تهب ريح الثورة لتخلع تلك العباءة فتكشف كم هي بالية ومهلهلة، وينتشر أريج يوقظ الأرواح النائمة والنفوس الخاملة، وفي هذه المرة إذن فهو عطر إلى اسمين. ما أذكاه!
وبعد أن وصل الامتهان العربى إلى درجته القصوى حتى ظن العالم أن العرب بلا كرامة، وبعد أن وصل عجز الشعوب إلى منتهاه حتى ظن العرب أن تاريخهم قد انتهى، وبعد أن وصل قهر الحكام إلى مداه، فلا شىء يأتى بعد الإله، وبعد أن بدأ الاستعمار يعود من جديد، العدوان الأمريكى على العراق وأفغانستان، والاحتلال الصهيونى لفلسطين، وابتلاع كل فلسطين بالاستيطان وتهويد القدس
أدى زلزال الانتفاضة الشعبية التونسية التى بدأت فى ديسمبر سنة 2010، والذى أدى إلى فرار بن على من البلاد فى 14 يناير سنة 2011، وبداية تحول الانتفاضة لكى تصير ثورة شعبية شاملة تكاد أن تنهى النظام بأسره، أدى كل ذلك إلى هزات ارتدادية عربية فى شكل تخوف لدى الأنظمة الحاكمة من احتمال تكرار الخبرة التونسية، وتخوف لدى المعارضين من احتمال وأد الانتفاضة من خلال تآمر الأنظمة العربية متحالفة مع القوى الغربية التى لطالما دعمت نظام بن على.
عندما كنت أعمل معتمدًا في دمشق أن قال لي بعض الصحفيين من المعارضة إنهم يأملون أن تكف مصر عن إصدار القوانين المقيدة للحريات.. لأنها لا تنصرف على المصريين وحدهم ولكنها تشمل أيضًا أبناء أقطار عربية أخري.. فما أن يصدر قانون في مصر يقضي بحبس الصحفيين في جرائم النشر حتى تسارع الأنظمة العربية إلى استنساخ ذات القانون وتضيف إلى العقوبات مع ما هو أشد مما ورد في القانون المصري.
لو أنك رأيت الحاجة حميدة حسن إسماعيل لظننت أنها أم أو خالة أو عمة أحد ممن تعرفهم.. سيدة طيبة، رقيقة الصوت، عذبة الحديث. لن يخطر على بالك أنها بطلة عظيمة من البطلات التي لم تكف مصر عن إنجابهن منذ إيزيس إلى استر ويصا إلى أم صابر.. لم تحمل سلاحًا، ولم تقتل عدوًا، لكنها كانت أعظم البطلات.
آخر خطاب وجهه الرئيس زين العابدين بن على للشعب التونسي وقوله (خلاص فهمتكم.. فهمتكم).. هو صورة لمشهد سعاد حسني وأحمد مظهر في فيلم (ليلة الزفاف). في هذا الفيلم جلست سندريللا الشاشة المصرية سعاد حسني على طرف السرير.. وهي بملابس الزفاف.. وأخذت تبكي! قالت لعريسها أحمد مظهر.. بصوت الأسي والاعتذار:
في نفس الساعة التي كنت أجلس بين شباب الدستور الأصلي السابعة مساء الخميس 13 يناير في احتفالهم بمرور مائة يوم على إضرابهم كان الناس في تونس يصنعون بدمائهم ثورة "الخبز والحرية" كنا نلتقي في دائرة في بهوة نقابة الصحفيين وبدأ الفنان محمد إسماعيل على عوده "ثوار.. ثوار.. ولآخر مدي ثوار ثوار" كنا نجلس بعضنا يغني وبعضنا يصفق: وكانت الدموع تصعد وتهبط في عروقي وشراييني وتنحبس في مقلتي وتأبي النزول