مازال الوطن العربى تحت وقع الثورات الأخيرة فيه بهذه السرعة بعد انتظار طويل، ونجاح البعض منها، تونس ومصر بأقل عدد ممكن من الشهداء بالمئات، وبأسلوب متحضر للقادة والشعب. ومازال العالم مشدوها من هذه الثورات الشعبية السليمة التى استطاعت تغيير نظم حكم دامت عدة عقود ومازالت مستمرة. ولم تنفع فى زحزحتها حركات المعارضة. يتعلم منها الطلاب فى المدارس مع الثورات الفرنسية والأمريكية والروسية والثورات الأخيرة فى أوروبا
غاضت الفرحة، التي كنا نري علاماتها مرتسمة على وجوه المصريين، في الأيام التي تلت انتهاء وقائع ثورتهم المجيدة، وحل محلها شعور بالقلق والتوجس، وإحساس عميق بعدم الاطمئنان لما يجري على أرض الواقع.. فهناك قرارات اتخذت من القائمين على إدارة شئون الدولة، تستدعي ذكريات الأمس البغيضة، وقرارات لم تتخذ، تُلقي بظلالها السوداء على الغد المجهول.. وهنا وهناك يتردد سؤال حائر على الألسنة، يعكس ما يدور في خُلد الملايين:
بوضوح تام، يسقط القناع عن حقيقة الموقف الأمريكي خلال مؤتمر لندن على الرمال الليبية، لقد تبيّن للقاصي والداني أن البيت الأبيض مهّد عمليًا لتسليح المتمرّدين "الثوار" الليبيين. مما يلغي أي تعقيد في فهم هدفها الحقيقي، فأنين وأشلاء حقوق الإنسان وحقن الدماء ليس المراد، وإنما حقن النفط في عروق الجسد الرأسمالي المتعطش للنفط المنهوب. إن الاعتقاد بأن الثورة في ليبيا بمستطاعها أن تجمع بين التنسيق مع الأطماع الامبريالية
الساكت عن الحق شيطان أخرس، كما يقولون. وماذا دهى المثقفين العرب، والكتّاب، والإعلام العربي هذه الأيام..؟ نفهم أن يكون القذافي بدون أية تغطية إعلامية مساندة على الإطلاق، عربيا وعالميا، فتلك نتيجة لما صنعت يداه، حينما جرد البلاد والعباد في ليبيا الشقيقة من أية إمكانية حقيقية لتوسيع دائرة الإبداع العلمي والثقافي والعمل المهني الإعلامي. والعكس ما صنعته بعض دول الخليج مثلا
لا شك أن كثيراً يعرفون من هو العقيد معمر القذافي كسياسي، وهو لا يحتاج إلى تعريف في هذا الجانب، ولا شك أيضاً أنه يوجد من يعجبون به، ومن لا يعجبون به، ومنذ نجاح ثورته في الفاتح من سبتمبر 1969 وحتي الآن، لم يتوقف عن مفاجأة العالم بأقواله وأفعاله. ولا بد أن هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن أسلوبه الفريد في الحكم، ومعاركه المستمرة على مدي ما يزيد على أربعين عاماً في الحكم، إلا أن ذلك ليس الهدف من هذا المقال، فقصارى ما نبتغيه
الثورة العربية الكبيرة المبهرة ستستمر. سترتكب الأخطاء وتتعثر ولكنها ستقوم من كبواتها وستواصل السير. شعوب العرب يجب أن تتذكر الحكمة الإلهية من أن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. الثورات الشعبية التي بدأت في تونس وانتقلت كالشرارة لمصر وليبيا والجزائر واليمن وسوريا والبحرين هي الدليل هي وحدة الأمة العربية. وإذا كانت هذه الوحدة لم تتحقق إلا في الأغاني
42 عاما دون انقطاع. بل إنني أعتقد أن الرجل أضر القضايا العربية أكثر مما أفادها ولن يغفر له التاريخ قيامه بكشف أسرار العلماء الذين حاولوا أن يمكنوا ليبيا من بناء رادع نووي، للأمريكان مقابل استمراره في الحكم. إلا أن هذا الموقف لا يعني أنني أوافق علي السيناريو الغربي ـ الأطلنطي الذي تم بموافقة عربية، والذي بدأ بفرض منطقة حظر جوي علي ليبيا لحماية المدنيين، ولكنه أدي إلي تدمير ليبيا بل وقتل مدنيين آخرين.
إن ما يهم فى حياة الشعوب هو مدى تواصلها وانقطاعها فى تاريخها. فالشعوب بلا تاريخ قائمة فى الهواء وخارج الزمان. والشعوب التاريخية لها ماضيها، وتتأزم فى حاضرها، وتأمل فى مستقبلها. تتعثر فى نهضاتها ولكن لا يمكن نزعها من التاريخ أو القضاء عليها. وفى تاريخنا الحديث ثورتان 1882 ثورة عرابى ضد الخديو توفيق، وثورة 1919 ضد الاحتلال البريطانى. ولهما فى الوجدان المصرى كل اعتزاز وفخر.
ما السلطة؟.. وما الثورة في اللحظة الراهنة؟ وهل هناك تناقض بينهما؟ المجلس العسكري يمثل السلطة، فهو يمسك بمقاليد الحكم، وهو دور لم يتوقعه ولم يستعد له. ويعلمنا درس التاريخ أن العسكر عندما يصلون إلى السلطة لا يرحلون عنها ويتمسكون بها، إلا فيما ندر، فقد شهدت بعض الدول هذه الحالات الاستثنائية التي أكدت صحة القاعدة. والأرجح أن جيش مصر لا يرغب في الاستمرار في السلطة، أي أنه سيدخل ضمن الحالات الاستثنائية
المتابع للمشهد السياسي المصري يلاحظ أن عدم التوافق هو المسيطر علي الساحة فكل قرار تجد معارضيه أكثر من مؤيديه مما يجعلنا نتساءل هل مازالت عقلية الحزب الوطني هي المسيطرة حيث يتم فرض ما تراه المجموعة المسيطرة دون اهتمام بالاستماع الحقيقي لوجهات النظر الأخرى ومناقشتها، والمثال الأخير لذلك الإعلان الدستوري الذي تعرض للعديد من الانتقادات ومن متخصصين مما جعل مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية يتداخل مع العديد