يأتي الأدب متأخرا لكنه يحفر علامات لا تمحوها الأيام. فالأديب ينتظر ويمعن ويزاوج بين البصر والبصيرة، بين الفهم والذوق، بين التفكير العميق والمشاعر الفياضة، لينتهي إلى ما قد يتنبأ بالمستقبل، أو ما يرسم للماضي صورة مختلفة عن تلك التي حوتها كتب التاريخ أو بعض الحوليات.
فى لحظات أسى، يحزن الإنسان على مصر وعلى ما ينتابها من عصر إلى آخر من انهيار وضياع وتفكك وعلى ما يحدث فيها من استبداد وقهر، وما يقع فيها من فقر وذل. وسرعان ما يتبدد هذا الإحساس بإحساس آخر، لحظات فرح واعتزاز وبرفع الرأس، وأن المواطن يشرفه أنه ينتمى إلى مصر. وهى اللحظات التى يحكم فيها القضاء فى مصر لصالح الشعب ضد تزوير الانتخابات الأخيرة
فاجأ التونسيون العالم بانتفاضة شعبية عارمة ضد حكم الرئيس زين العابدين بن على أدت إلى سقوط نظام حكمه وإن لم تتحدد عناصر النظام الجديد حتي الآن. لم تكن الانتفاضة التونسية نتيجة أعمال "الإرهابيين"، كما قال بن على في أول تعليق تليفزيوني له على الانتفاضة، ولكنها كانت محصلة تراكم نتائج ربع قرن من الفساد والقمع السياسي، والنهب الاقتصادي الجماعي لثروات البلاد، وفتح البلاد أمام المشروعات الاقتصادية الغربية
أترحم على جمال عبدالناصر لأنه في حضوره كان صاحب مشروع تحرري مثل إطاراً جامعاً للانتماء وبوتقة صهر مشترك لعناصر المجتمع المصري تستفز همته لمواجهة تحديات خارجية كبري، وسعي ما وسعه الجهد للاهتمام بالإنسان المصري لتحريره من الإقطاع وسيطرة رأس المال المستغل والعمل على زيادة رفاهيته ومن ثم قدرته على الإمساك بمصيره
حتى نفهم ما جري في الحاضر وما وصلنا إليه نضطر في بعض الأحيان إلى تأمل الماضي الذي عشناه قبل خمسين عاما.. وقتها كانت مصر وطنا غير مصر التي نعيش فيها الآن.. كانت هناك قيادة تعيش من أجل هدف قومي وتنموي واجتماعي يستهدف الارتقاء بحياة الأغلبية من أبناء شعبها الذين يمثلون الفقراء والبسطاء وليس من أجل مصالح أقلية من ديناصورات الحديد والسيراميك وقراصنة الأراضي والبيزنس ومافيا الثروات..
هل يعقل أن نردد مع كل حادثة "طائفية" نشيد الوحدة الوطنية ونستدعي مشاهد ثورة 1919 وتحالف الهلال والصليب، ونأخذ بعضنا بالأحضان ونصرخ قائلين إننا أخوة منذ الأزل
في عز الأزمة التي ضربت مصر في أعقاب الحادث الإرهابي أمام كنيسة القديسين ليلة رأس السنةـ يوم الجمعة الماضي ـ حرص الجميع على التعبير عن الاستياء من الحادث وإظهار مشاعر التضامن مع المسيحيين والأقباط
انتقد الكثيرون ردود الأفعال الغاضبة من الشباب المسيحي، التي تلت الحادث الإرهابي، رغم أني مؤمن بأنه لو تعرض مسجد واحد في مصر لهذه الأفعال لاحترقت نصف مصر
أعتقد أن أهم دلالات مذبحة الإسكندرية وأكثرها خطورة هي أنها تأتي على خلفية وبسبب حالة مزمنة من الاحتقان الطائفي بدأت منذ مطلع السبعينيات، وقد تفاقم هذا الاحتقان مع استمرار
معالجات النظام تكرس القول الخاطئ إن مصر تتكون من عنصرين قبطي ومسلم، إذ أن من هذا القول الخاطئ فتح العدو ثغرة كثغرة شارون في حرب 1973 للنفاذ منها وإحداث الوقيعة